فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد وعبد بن حميد عن وهب قال: أمر الحوت أن لا يضره، ولا يكلمه. قال الله {فلولا أنه كان من المسبحين} قال: من العابدين قبل ذلك، فذكر بعبادته، فلما خرج من البحر نام نومة، فأنبت الله {عليه شجرة من يقطين} وهي الدباء فأظلته، فبلغت في يومها، فرآها قد أظلته، ورأى خضرتها فأعجبته، ثم نام نومة فاستيقظ، فإذا هي قد يبست، فجعل يحزن عليها، فقيل أنت الذي لم تخلق، ولم تسق، ولم تنبت، تحزن عليها. وأنا الذي خلقت مائة ألف من الناس أو يزيدون، ثم رحمتهم، فشق عليك.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن قسيط أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: طرح بالعراء، فأنبت الله عليه يقطينة، فقلنا يا أبا هريرة: ما اليقطينة؟ قال: شجرة الدباء. هيأ الله تعالى له أروية وحشية تأكل من خشاش الأرض، فتفشخ عليه، فترويه من لبنها كل عشية وبكرة. حتى نبت وقال ابن أبي الصلت قبل الإِسلام في ذلك بيتًا من شعر:
فأنبت يقطينًا عليه برحمة ** من الله لولا الله ألفى ضاحيا

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وأنبتنا عليه شجرة من يقطين} قال: القرع.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: {شجرة من يقطين} قال: القرع.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال: كنا نحدث أنها الدباء هذا القرع، الذي رأيتم أنبتها الله عليه يأكل منها.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {شجرة من يقطين} قال: القرع.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة وسعيد بن جبير في قوله: {شجرة من يقطين} قالا: هي الدباء.
وأخرج الديلمي عن الحسن بن علي رفعه «كلوا اليقطين، فلو علم الله عز وجل شجرة أخف منها لأنبتها على يونس عليه السلام، وإذا اتخذ أحدكم مرقا فليكثر فيه من الدباء، فإنه يزيد في الدماغ، وفي العقل».
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد رضي الله عنه قال: أنبت الله شجرة من يقطين، وكان لا يتناول منها ورقة فيأخذها إلا أروته لبنًا. أو قال: يشرب منها ما شاء حتى نبت.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه {وأنبتنا عليه شجرة من يقطين} قال: غير ذات أصل من الدباء، أو غيره من شجرة ليس لها ساق.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما {وأنبتنا عليه شجرة من يقطين} قال: كل شيء نبت، ثم يموت من عامه.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر من طريق سعيد بن جبير رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما بال البطيخ من القرع، هو كل شيء يذهب على وجه الأرض.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: كل شجرة لا ساق لها فهي من اليقطين، والذي يكون على وجه الأرض من البطيخ والقثاء.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه سئل عن اليقطين أهو القرع؟ قال: لا. ولكنها شجرة سماها الله اليقطين، أظلته.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه قي قوله: {وأرسلناه} قبل أن يلتقمه الحوت.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن وقتادة في قوله: {وأرسلناه} قالا بعثه الله تعالى قبل أن يصيبه ما أصابه، أرسل إلى أهل نينوى من أرض الموصل.
وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنما كانت رسالة يونس عليه السلام بعدما نبذه الحوت، ثم تلا {فنبذناه بالعراء} إلى قوله: {وأرسلناه إلى مائة ألف}.
وأخرج الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} قال: يزيدون عشرين ألفًا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أو يزيدون} قال: يزيدون ثلاثين ألفًا.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في كتاب العقوبات وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أو يزيدون} قال: يزيدون بضعة وثلاثين ألفًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إلى مائة ألف أو يزيدون} قال: كانوا مائة ألف، وبضعة وأربعين ألفًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {مائة ألف أو يزيدون} قال: يزيدون بسبعين ألفًا.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن نوف في قوله: {مائة ألف أو يزيدون} قال: كانت زيادتهم سبعين.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {فآمنوا فمتعناهم إلى حين} قال: الموت. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123)}.
{إلياس} قيل هو إدريس، وقيل غيره، وكان بالشام، واسمُ صَنَمِهم {بَعْل} ومدينتهم بعلبك.. نذر قومَه فكذَّبوه، ووَعظَهم فما صَدَّقُوه، فأهلَكَ قومَه.
{وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133)}.
مضت قصتهُ وكيف نجَّى أَهلَه إلا امرأته التي شارَكَتْهم في عصيانهم، فحقَّ العذاب عليها مثلما عليهم.
{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)}.
فكان في أول أمره يطلب الاستعفاء من النبوة، ولكن لم يُعْفَ، ثم استقبله ما استقبله، فلم يلبث حتى رأى نَفْسَه في بطن الحوت في الظلمة.
{فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)} أي بما يُلاََمُ عليه، والحقُّ سبحانه مُنَزَّهٌ عن الحيفِ في حُكْمِه؛ إذ الخَلْقُ خَلْقُه، ثم اللَّهُ رَاعَى حقَّ تَعَبُّدِه، وحَفِظَ ذِمامَ ما سَلَفَ له أداء حقَّه فقال:-
{فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)}.
فإن كَرَمَ العَهْدِ فينا من الإيمان، وهو مِنَّا من جملة الإحسان، «فالمؤمن قد أخذ من اللَّهِ خُلُقًا حسنًا» بذلك ورد الخبر.
{فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145)}.
{سقيم} في ضعفٍ من الحال لِمَا أثَّر مِنْ كَوْنِهِ قضى وقتًا في بطن الحوت.
{وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146)}.
لِتُظِلَّه، فإنه كان في الصحراء وشعاعُ الشمس كان يََضُرُّه، وقَيَّضَ له اللَّهُ ظبيةً ذات وَلَدٍ كانت تجيء فيرضع من لبنها، فكأنّ الحقَّ أعاده إلى حال الطفولية. ثم إنه رَحِمه، ورجع إلى قومه، فأكرموه وآمنوا به، وكان اللَّهُ قد كَشَفَ عنهم العذاب، لأنهم حينما خَرَجَ يونسُ من بينهم ندموا وتَضَرَّعوا إلى الله لمَّا رَأَوْا أوائلَ العذاب قد أظلَّتْهم، فَكَشَفَ الله عنهم العذاب، وآمنوا بالله، وكانوا يقولون: لو رأينا يونسَ لَوَقَّرْناه، وعظَّمْناه، فرجع يونسُ إليهم بعد نجاته من بطن الحوت، فاستقبله قومُه، وأدخلوه بَلَدَهم مُكرّمًا.
ويقال: الذَّنْبُ والجُرْمُ كانا من قومه، فهم قد تُوُعِدُوا بالعذاب. وأمَّا يونس فلم يكن قد أذنب ولا ألَمَّ بمحظور، وخرج من بينهم، وكَشَفَ اللَّهُ العذابَ عنهم، وسَلِمُوا.. واستقبل يونس ما استقبله بل أنه قاسى اللتيا والتي بعد نجاته؛ ويا عجبًا من سِرِّ تقديره! فقد جاء في القصة أن الله سبحانه- أوحى إلى يونس بعد نجاته أَنْ قُلْ لفلانٍ الفَخَّار حتى يَكْسِرَ الجِرارَ التي عملها في هذه السنه كلَّها! فقال يونس: يا رب، إنه قَطَعَ مدةً في إنجاز ذلك، فكيف آمُرُه بأن يَكْسِرَها كُلَّها؟
فقال له: يا يونس، يَرِقُّ قلبُكَ لِخَزّافٍ يُتْلِفُ عَمَلَ سنةٍ وتريدني أن أُهْلِكَ مائةَ ألفٍ من عبادي؟! يا يونس، إنك لم تخلقهم، ولو خَلَقْتَهم لَرَحِمْتَهم. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} هذه الآية الكريمة فيها التصريح بنبذ يونس بالعراء عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وقد جاءت آية أخرى يتوهم منها خلاف ذلك وهي قوله: {لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ} الآية.
والجواب: أن الامتناع المدلول عليه بحرف الامتناع الذي هو لولا منصب على الجملة الحالية لا على جواب لولا.
وتقرير المعنى: لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء في حال كونه مذموما لكنه تداركته نعمة ربه فنبذ بالعراء غير مذموم فهذه الحال عمدة لا فضلة، أو أن المراد بالفضلة ما ليس ركنا في الإسناد وإن توقفت صحة المعنى عليه ونظيرها قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} وقوله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا} الآية لأن النفي فيهما منصب على الحال لا على ما قبلها. اهـ.

.تفسير الآيات (149- 157):

قوله تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان الذي سبق ادعاؤه أمرين أحدهما أن هؤلاء المنذرين يسارعون في اقتفاء آثار آبائهم في الضلال، والثاني أن أكثر الأولين ضلوا، وسيقت دليلًا شهوديًا على الثاني هذه القصص الست التي ما اهتدى من أهلها أمة بكمالها إلا قوم يونس عليه السلام، كان ذلك سببًا للأمر بإقامة الدليل على ضلال هؤلاء تبعًا لآبائهم بأمر ليس في بيان الضلال أوضح منه، فقال متهكمًا بهم مخصصًا الأمر به صلى الله عليه وسلم إشارة إلى عظم هذه النتيجة وأنه لا يفهمها حق فهمها سواه- صلى الله عليه وسلم: {فاستفتهم} أي فاطلب من هؤلاء الذين يعرضون عن دعوتك إلى أباطيلهم أن يجيبوك فتوة منهم وكرمًا: بأي دليل وبأي حجة حكموا بما يقولونه تبعًا لآبائهم في الملائكة الذين تقدم في فاطر أنهم رسل الله، وفي يس أنهم في غاية الشدة بحيث إن عذاب الأمة الكثيرة يكفي فيه واحد منهم، وبحيث إن صيحة واحده من أحدهم يميت الأحياء كلهم، وصيحة أخرى يحي الأموات كلهم، هذا إلى ما أفادته هذه السورة لهم من الصف والزجر والتلاوة حين ابتدأت بالإقسام بهم لأن لمقصودها نظرًا عظيمًا إلى أحوالهم في تجرديهم وتقديسهم، ويلزم من هذا الاستفتاء تنزيههم وتنزيه الذي خلقهم وذلك مقصود السورة، ولفت الكلام عن مظهر العظمة إلى ما هو دليل عليها فإن الرسول دال على قدر من أرسله فقال: {ألربك} أي خاصة وهو الملك الأعلى الذي رباك وأحسن إليك بهدايتك والهداية بك وغير ذلك من أمرك حتى كنت أكمل الخلق وأعلاهم في كل أمر يكون به الكمال والقرب من الله فاصطفاك لرسالته، ففي إفراد الضمير إشارة إلى أنه لا يختار إلا الأكمل الأشرف الأفضل.
ولما كان المراد تبكيتهم بكونهم جعلوا الأخس لله، وكانت الإناث أضعف من الذكور، ولكنها قد تطلق الأنوثة على غير الحيوان، وكانت الإناث في بعض الأجناس كالأسحار أشرف، عدل عن التعبير بالإناث وعبر بما ينص على المراد فقال: {البنات} أي دون البنين، وهم- مع أنهم مربون مقهورون- يأنفون منهم غاية الأنفة {ولهم} أي دونه {البنون} مع أن الرب الذي خصوه بأدنى القبيلين تارة يخلق الذكر من تراب ويربيه أحسن تربية، وأخرى من غيره أو يخرجه من بطن حوت أو غمرات نار أو غير ذلك، فبأي وسيلة ادعوا له ولدًا والولد لا يكون إلا بالتدريج في أطوار الخلق من النطفة إلى ما فوقها، ولا يرضى بذلك إلا عاجز فكيف بادعاء أدنى الصنفين من الولد، سبحان ربك رب العزة.
ولما كان دعواهم لأنوثة الملائكة متضمنة لادعاء العلم باختصاصه عند دعوى الولدية بأدنى القبيلتين أو ادعاء العلم بأنه خلقهم إناثًا بمشاهدة منهم أو كتاب منه إليهم، وأما العقل فإنه لا مدخل له في ذلك، قال معلمًا بأنهم أهل لأن يبكتوا ويستهزأ بهم لأنه لا علم عندهم بإحدى الطريقين، ولا يقدرون أن يدعوا ذلك لئلا يفتضحوا فضيحة لا تنجبر أصلًا، عائدًا إلى التصريح بمظهر العظمة التي إن لم يقتض اختيار الأكمل لم يقتض الاختصاص بالأدون لأنها منافية بكل اعتبار للدناءة {الملائكة} أي الذين حكموا عليهم بالأنوثة، وهم من أعظم رسلنا وأجل خواصنا ولم يروا منهم أحدًا ولا سبيل لهم إلى العلم بأحوالهم باعترافهم بذلك، ولما تعين أن المراد بالأنوثة الخساسة، وكان في بعض الإناث قوة الذكور، عبر بالأنوثة إلزامًا لهم في حكمهم ذلك بخساستين فقال: {إناثاُ وهم} أي والحال أن هؤلاء الذين ينسبون إلى الله ما لا يليق به {شاهدون} أي ثابت لهم شهود ذلك لا يغيبون عنه، فإنا كل يوم نجدد منهم من شئنا، قال الرازي: وكل واحد من الملائكة نوع برأسه، أما الآدميون فكلهم نوع واحد، وهو ناقص في ابتداء الفطرة، مستكمل، وله درجات في الترقي إلى أن يبلغ مقام المشاهدة، وهو أن تتجلى له حلية الحق الأول من ذاته وصفاته وترتيب أفعاله علمًا لا ينفصل عنه ولا يغيب فيترقى في إدراكه عن المحسوسات والخيالات، ويترقى فعله عن أن يكون لمقتضى الغضب أو الشهوة، وبهذا يقرب من الله تعالى- انتهى.
ولما اشتد تشوف السامع إلى أن يعلم حقيقة قولهم الذي تسبب عنها هذا الاستفتاء أعلم سبحانه بذلك في قوله مؤكدًا إشارة إلى أنه قول لا يكاد أن لا يقر أحد أنه قاله، معجبًا منهم فيه مناديًا عليهم بما أبان من فضيحتهم بما قدم من استفتائهم: {إلا أنهم من إفكهم} أي من أجل أن صرفهم الأمور عن وجوها عادتهم {ليقولون} أي قولًا هم مستمرون عليه وإن كانوا لا يقدرون على إبرازه في مقام المناظرة، وعدل عن مظهر العظمة إلى إسم الجلالة العلم على الذات الجامعة لجميع الصفات إشارة إلى أن كل صفة من صفاته ونعت من نعوته يأبى الولدية فقال: {ولد الله} أي وجد له- وهو المحيط بصفات الكمال- ولد وهم على صفة الأنوثة أي أتى بالولد، فولد فعل ماض والجلالة فاعل، وقرئ شاذًا برفع {ولد} على أنه خبر مبتدأ محذوف، وجر الجلالة بالإضافة، والولد فعل بمعنى مفعول كالقبض، فلذلك يخبر به عن المفرد وغيره والمؤنث وغيره.